( ما بين جُنوح سفينة قناة السُّويس واتِّفاق الصِّين وإيران الخبر اليقين )
( ما بين جُنوح سفينة قناة السُّويس واتِّفاق الصِّين وإيران الخبر اليقين )
عندما نُشر خبر جُنوح إحدى السُّفن العملاقة في قناة السويس، ونتج عنه توقف الملاحة الدوليَّة وخسارة العالم تجاريا أكثر من 400 مليون دولار كل ساعة حتى ظهرت إشارات في افتعال ذلك ،توحي بأن هناك أيادي وراء هذه الفاجعة الكبيرة والخطيرة ، وسريعا ما ساقتنا الذاكرة إلى أسطوانات الصين وروسيا المتعددة في طلب إيجاد بديل عن قناة السويس ، والهدف هو سحب البساط من تحت أمريكا ، إيذانا في أفولها ،نحن لا يهمنا امريكا ولا الصين أو روسيا ، الكل منهم يسعى إلى مصالحه وتقوية نفوذه ، ولو يترتب على ذلك دمار الشعوب والبشرية ، جائحة كورونا كشفت هذه القوى بأنهم لا يملكون للبشرية نفعاً ، إما الضراء لهم في ذلك تاريخ مجللا بالسواد ، من قبل حروبهم الكونية إلى اليوم ، وسيظل حاضرا لديهم في كل زمان ومكان ، وبينما العالم مشغولا ويتابع أخبار قناة السويس حتى تفاجأ العالم في إخبار اتفاق الصين وإيران ، وهنا يظهر الرابط بين الحالتين ، لا سيما إن الصين وروسيا أطرافا في كلا الحالتين ، الدول الكبيرة والخبيثة إذا ارادت فعل ما يخلقون الأسباب ولو بعيدا عن مناطقهم فقد اختلقوا حالة مماثلة قبل أربعة عقود وانا عليها من الشاهدين ، عندما قررت إسرائيل غزو لبنان أشعلوا عملاء إسرائيل في لندن النار في باص الخطوط الإسرائيلية في لندن حتى يقولوا هذا فعل الفلسطينيين ، وقد رأيت ذلك في عيني ، بينما أنا زائرا لضيف سعودي مقيم في فندق ( الدور شستر) في لندن وكان الباص الإسرائيلي مركونا ملاصقا للفندق حتى اشتعلت فيه النار مما جعل الشرطة البريطانية تداهم الفندق وجميع المنطقة القريبة . فلم يسمحوا لنا بمغادرة الفندق إلا بعد ساعة ، وبعد يومين أشارت الأعلام الإنجليزية إن اسرائيل هي من وراء هذا الفعل ، وعودة إلى الموضوع الحكومة المصرية احتجزت قبطان السفينة حتى تظهر الحقائق بعد ان فاحت رائحة افتعالها والأيام القادمة حبلى بالمفاجآت ، ويبقى سر اختيار الحالتين زمانا ومكانا ، ستكشفها الأيام القادمة ، إما اتفاقية الخمسة والعشرين عاما بين الصين وإيران قد تقلب ترتيبات المنطقة التي رست عليها بعد الحرب العالمية الثانية ، فمنذ نهاية الحرب العالمية الأولى ، صارت إيران والمنطقة محط تنافس القوى الكبرى نتيجة النفط المتزايدة أهميته مع التطور التقني لوسائل النقل المدنية والعسكرية في الحرب العالمية الثانية ، اتفق السوفيت مع البريطانيين والأمريكيين على القتال في جبهة واحدة الذي منع ألمانيا النازية في الوصول إلى إيران والمناطق البترولية ، والتقى القوى الثلاثة (ستالين ، روزفيلت ، وتشرشل) في طهران وذلك خلال الحرب وبعد هزيمة هتلر قرر السوفيت البقاء في إيران ووقعوا اتفاقيات بترولية ، إلا أن واشنطن ولندن نجحتا مؤخرا في إخراجهم وإلغاء الاتفاقية ، وبعد عقد شعر البريطانيون والأمريكيون إن وصول (مُصدق) لرئاسة الحكومة الإيرانية عبر الانتخابات مدخلا لليسار وللسوفييت فتم تدبير انقلاب عليه ، وحماية سلطات الشاه وعاود الشك الأمريكيين في نية السوفييت ، وعندما غزوا أفغانستان المجاورة لإيران في ديسمبر كانون الأول 1979م أي بعد عشرة أشهر من سقوط الشاه محمد رضا بهلوي ، سارع الأمريكيون لمواجهتهم بدعم الأفغان ، اعتقادا أنهم ينوون العبور إلى إيران ، حيث حلم القياصرة بل المياه الدافئة والنفط أيضا ، هذه المرة الأولى التي يظهر فيها الصينيون شهيتهم للتوسع في منطقة الشرق الأوسط وتحديدا غرب آسيا وشرق أفريقيا ، معتمدين استراتيجية التعاون الاقتصادي المكثف فيما يسمى مشروع الحزام والطريق ، الصفقة مع إيران ليست مفاجئة حيث بدأ التفاوض عيها من 2016م ، وجرى الحديث عنها العام الماضي ، إنما توقيعها الآن هو ما آثار كثيرا من التساؤلات في ظل التهدئة التي تسعى لها الإدارة الأمريكية الحالية
مع كل من الصين وإيران كما أن تفاصيلها توحي بما هو أكثر من تعاون اقتصادي ،وبعد ان نشرت ال ثمانية عشرة صفحة السرية في الإعلام الأمريكي بات واضحا اننا أمام اتفاق عميق جدا يشمل تقريبا كل مناحي العمل من بنى الأسلحة إلى جمع القمامة ، كما وردت وتطلب فهم ما ستعنيه لإيران وتبعاتها على المنطقة والصراع الدولي ، هل أصبحت الصين بذلك الدولة الراعية لإيران وهل ستشعل التنافس مع الغرب ، وتتسبب في حرب باردة بين الكبار وصراعات ساخنة بين حلفائهم أكثر مما هو قائم اليوم ، أم ان الصين ستلجم الجنوح الثوري الإيراني المتزايد في المنطقة ، الخبر الأكيد أن التنين الصيني يزحف بهدوء إلى المنطقة غيٌر باكستان من حليف أمريكي إلى سوق وشريك أكبر للصين ، ووصلت طلائع جيش التحرير الشعبي الصيني وقواتها العسكرية إلى خليج عدن ، حيث بنى قاعدة عسكرية في جيبوتي لحماية خطوطها البحرية إلى أفريقيا ، أي في المستقبل القريب ربما تلجأ بكين للقوة العسكرية وذلك لحماية مصالحها في المنطقة فيما يعني أننا امام تبدلات جيوسياسية غير مسبوقة ، إيران بفعل اتفاقيتها مع الصين تدخل عصرا جديدا أمنت حماية لنظامها وسوقا كبيرا لمبيعاتها من النفط والغاز، ووفق الاتفاقية تتعهد بتطور قدرات النظام الإير اني العسكرية والأمنية في وقت تشتكي دول المنطقة من مغامرات طهران المسلحة حيث تدير 5 حروب . العراق . سوريا . ولبنان . وغزة . واليمن .فلم يفت علينا إننا نلحظ حرص وزير الخارجية الصيني ( وانغ ييه ) الذي خص السعودية بزيارة قبل الإعلان وأعطى حديثا لقناة العربية كشف فيه عن مبادرة سلام صينية خاصة بدول الخليج وإيران تقوم على اقتراحات من بينها منع الاعتداءات المسلحة في الخليج ، وهذا يوحي بأن الصين ليست مهتمة بوقف التوغل الإيراني في العراق وسوريا ولبنان ، ربما لا يهمها التدخل في نزاعاته إن كان ذلك يحقق الضغوط المطلوب على خصومها الغربيين هناك كثير من الأسئلة حول تباعات الاتفاقية على المنطقة والعلاقات الدولية معها ، أما إيران ما انتهينا من اسطوانة الوجود الاجنبي في المنطقة التي ترددها إيران منذ عقود وسقط شعار ( لا شرقية ولا غربية جمهورية إسلامية ) الذي كان رمزا للقطيعة بين طهران والدول الكبرى في بداية مشروع الولي الفقيه ، انتهى كل ذلك مع اعلان إيران توقيع اتفاقية تعاون مع الصين تمتد لربع قرن ، وجل بنودها سري ويقال إن مهندسها هو المرشد الأعلى لإيران ، أسأل الله صدق القول وصدق العمل وصدق النية .
عبد الهادي الطويلعي
25من شعبان 1442هـ
|